بِسْمِهِ الْمُغَرِّدِ عَلَى الْأَفْنَانِ
يَا إِسْمِي إِسْمَعْ نِدَائِي مِنْ حَوْلِ عَرْشِي لِيُبَلِّغَكَ إِلَى بَحْرٍ مَا لَهُ سَاحِلٌ وَمَا بَلَغَ قَعْرَهُ سَابِحٌ إِنَّ رَبَّكَ لَهُ وَالعَليمُ الكَرِيمُ * قَد أَرَدنَا أَنْ نَمُنَّ عَلَيكَ بِذِكْرِ مَا رَأَينَاهُ لِتَرَى العَالَمَ النُّورَانِي فِي هَذَا العَالَمِ الظُّلْمَانِي وَتُوقِنَ بِأَنَّ لَنَا عَوَالِمَ فِي هَذَا العَالَمِ وَتَشَكُر رَبَّكَ الخَبيرَ * إِنَّهُ لَو أَرَاد أَنْ يُظْهِرَ مِنَ الذَّرَّةِ أَنْوَارَ الشَّمْسِ وَمِنَ القَطْرَةِ أَمْوَاجَ الْبَحْرِ لِيَقْدِرُ كَمَا فَصَّلَ مِنَ النُّقْطةٍ عِلْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِنَّا كنَّا مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ دَخَلَتْ وَرَقَةٌ نَوْرَاءُ لَابِسَةً ثِيَابًا رَفِيعَةً بَيضَاءَ أَصْبَحَتْ كَالْبَدرِ الطَّالِعِ مِنْ أُفُقِ السَّمَاء * تَعَالَى الله مُوجِدُهَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ بِمِثْلِهَا * لَمَّا حَلَّتِ اللِّثَامَ أَشْرَقَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ كَأَنَّ كَيْنُونَةَ القِدَمِ تَجَلَّتْ عَلَيهَا بِأَنْوَارِهَا * تَعَالَى الله مُوجِدُهَا لَمْ تَرَ عَينٌ بِمِثْلِهَا * وَهِي تَتَبَسَّمُ وَتَمِيلُ كَغُصْنِ البَانِ فِي مَنْظرِ الرَّحْمَنِ * تَعَالَى مُظهِرُهَا لَمْ تَرَ عَينٌ بِمِثْلِهَا ثُمَّ سَارَتْ وَطَافَتْ مِنْ غَيرِ قَصدٍ وَإِرَادةٍ مِنْ عِنْدِهَا كَأَنَّ إِبْرَةَ العِشْقِ انْجَذبَتْ مِنْ مِغْنَاطيسِ الجَمَالِ الْمُشْرِقِ أَمَامَ وَجْهِهَا * تَعَالَى مُوجِدُهَا لَمْ تَرَ عَينٌ بِمِثْلِهَا * تَمْشِي وَالجَلَالُ يخْدمُهَا وَمَلَكوتُ الجَمَالِ يُهَلِّلُ وَرَائَهَا مِنْ بَدِيعِ حُسْنِهَا وَدَلَالِهَا وَاعْتِدالِ أَرْكانِهَا * تَعَالَى مُوجِدُهَا لَمْ تَرَ عَينٌ بِمِثْلِهَا * ثُمَّ وَجَدْنَا الشَّعَرَاتِ السَّوْداءَ عَلَى طُولِ عُنْقِهَا البَيضَاءِ كَأَنَّ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ اعْتَنَقَا فِي هَذَا المَقَرَّ الأَبْهَى وَالمَقْصَد الْأَقْصَى * تَعَالَى مُوجِدُهَا لَمْ تَرَ عَينٌ بِمِثْلِهَا * لَمَّا تَفَرَّسْنَاَ فِي وَجْهِهَا وَجَدْنَا النُّقْطَةَ الْمَسْتُورَةَ تَحْتَ حِجَابِ الْوَاحِديَّةِ مُشْرِقَةً مِنْ أُفُقِ جَبِينِهَا كَأَنَّ بِهَا فُصِّلَتْ أَلوَاحُ مَحَبَّةِ الرَّحْمَنِ فِي الإِمْكانِ وَدَفَاتِرُ العُشَّاقِ فِي الأَفَاقِ * تَعَالَى مُوجِدُهَا لَمْ تَرَ عَينٌ بِمِثْلِهَا * وَحَكَتْ عَنْ تِلْكَ النُّقْطَةِ نُقْطَةٌ أُخْرَى فَوْقَ ثَدْيِهَا الأَيمَنِ * تَعَالَى مَوْلَى السِّرِّ وَالعَلَنِ الَّذِي خَلَقَهَا لَمْ تَرَ عَينٌ بِمِثْلِهَا * وَقَامَ هَيكَلُ الله يَمْشِي وَتَمْشِي وَرَائَهُ سَامِعَةً مُتَحَرِّكَةً مُنْجَذِبَةً مِنْ آيَاتِ رَبِّهَا * تَبَارَكَ الَّذِي خَلَقَهَا لَمْ تَرَ عَينٌ بِمِثلِهَا * ثُمَّ ازْدَادَتْ سُرُورًا وَفَرَحًا وَشَوْقًا إِلى أَنْ تَغَيَّرَتْ وَانْصَعَقَتْ فَلَمَّا أَفَاقَتْ تَقَرَّبَتْ وَقَالَتْ نَفْسِي لِسِجْنِكَ الْفِدَاءُ يا سِرَّ الْغَيبِ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاء * تَعَالى مُوجِدُهَا لَمْ تَرَ عَينٌ بِمِثْلِهَا * وَكَانَتْ تَنْظرُ إِلى مَشْرِقِ العَرْشِ كَمَنْ بَاتَ فِي سُكْرٍ وَحَيرَةٍ إِلَى أَنْ وَضَعَتْ يَدَهَا حَوْلَ عُنُقِ رَبِّهَا وَضَمَّتْهُ إِلَيهَا فَلَمَّا تَقَرَّبَتْ تَقَرَّبْنَا وَجَدنَا مِنْهَا مَا نُزِّلَ فِي الصَّحِيفَةِ المَخْزُوُنَةِ الحَمْرَاء مِنْ قَلَمِي الْأَعْلَى * تَعَالَى مُوجِدُهَا لَمْ تَرَ عَينٌ بِمِثْلِهَا * ثُمَّ مَالَتْ برَأْسِهَا وَاتَّكَأتْ بِوَجْهِهَا عَلَى إِصْبَعَيهَا كَأَنَّ الهِلَالَ اقْتَرَنَ بِالبَدرِ التَّمَامِ * تَعَالَى مُوجِدُهَا لَمْ تَرَ عَينٌ بِمِثْلِهَا * عِنْد ذَلِكَ صَاحَتْ وَقَالَتْ كُلُّ الْوُجُود لِبَلَائِكَ الفِدَاءُ يا سُلْطَانَ الأَرْضِ وَالسَّمَاء إِلى مَ أَوْدعْتَ نَفْسَكَ بَينَ هَؤُلَآء فِي مَدينَةِ عَكَّاءَ * أُقْصُدْ مَمَالِكَكَ الأُخْرَى المَقَامَاتِ الَّتِي مَا وَقَعَتْ عَلَيهَا عُيُونُ أَهْلِ الْأَسْمَاءِ * عِنْدَ ذَلِكَ تَبَسَّمْنَا أَعْرِفُوا هَذَا الذِّكْرَ الْأَحْلَى وَمَا أَرَدْنَاهُ مِنَ السِّرِ المُسْتَسِّرِ الظَّاهِرِ الأَخْفَى يا أُوْلِي النُّهَي مِنْ أَصْحَابِ سَفِينَتِي الحَمْرَاء * قَدْ تَصَادَفَ هَذَا الذِّكرُ يَوْمًا فِيهِ وُلِدَ مُبَشِّرِي الَّذِي نَطَقَ بِذِكْرِي وَسُلْطَانِي وَأَخْبَرَ النَّاسَ بِسَمَاءِ مَشِيَّتِي وَبَحْرِ إِرَادَتِي وَشَمْسِ ظهُورِي * وَعَزَّزْنَاهُ بِيوْمٍ آخَرَ الَّذِي فِيهِ ظَهَرَ الْغَيْبُ المَكْنُونُ وَالسِّرُّ المَخْزُونُ وَالرَّمْزُ المَصُونُ الَّذِي بِهِ أَخَذَ الإِضْطرَابُ سُكَّانَ مَلَكُوتِ الأَسْمَاء وَانْصَعَقَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاء إِلَّا مَنْ أَنْقَذنَاهُ بِسُلْطَانٍ مِنْ عِنْدِنَا وَقُدْرَةٍ مِنْ لَدنَّا وَأَنَا المُقْتَدِرُ عَلَى مَا أَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا العَلِيمُ الحَكِيمُ * طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ عَرْفَ اللهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الّذِي كَانَ مَطْلِعَ الظُّهُورِ وَمَشْرِقَ إِسْمِي الْغَفُورِ * وَفِيهِ فَاحَتِ النَّفْحَةُ وَسَرَتِ النَّسَمَةُ وَأَخَذَ جَذْبُ الظُّهُورِ مَنْ فِي القُبُورِ وَنَادَى الطُّورُ الْمُلْكُ لِلَّهِ المُقْتَدرِ المُتَعَالي العَلِيمِ الخَبِيرِ * وَفِيهِ فَازَ كُلُّ قَاصِدٍ بِالْمَقْصُودِ وَكُلُّ عَارِفٍ بِالمَعْرُوفِ وَكُلُّ سَالِكٍ بِصِرَاطِهِ المُسْتَقِيمٍ * سُبْحَانَك يا إِلَهِي بَارِكْ عَلَى أَحِبَّائِكَ ثُمَّ أَنْزِلْ عَلَيهِمْ مِنْ سَمَاء عَطَائِكَ مَا يَجْعَلُهُمْ مُنْقَطعِينَ عَنْ دُونِكَ وَمُتَوَجِّهِينَ إِلَى الْأُفُقِ الَّذِي مِنْهُ أَشْرَقَتْ شَمْسُ فَضْلِكَ * وَقَدِّرْ يا إِلَهِي مَا يَنْفَعُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ * إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدرُ المُتَعَالِي المُعْطِي البَاذِلُ الغَنِي الكَرِيمُ *
الأيام التسعة - ص ١٦ - ٢٠