هذا دعاء قد نزل حين الإفطار من لدى الله العزيز المختار:
هو الآمر
سبحانك اللهم يا إلهي أسألك بالذين جعلت صيامهم في حبك ورضائك وإظهار أمرك واتباع آياتك وأحكامك وإفطارهم قربك ولقائك فو عزتك إنهم في أيامهم كلها صائمون وإلى شطر رضائك متوجهون ولو يخرج من فم إرادتك مخاطبا إياهم يا قوم صوموا حبا لجمالي ولا تعلقه بالميقات والحدود فو عزتك هم يصومون ولا يأكلون إلى أن يموتون لأنهم ذاقوا حلاوة ندائك وذكرك وثنائك وكلمة التي خرجت من شفتي مشيتك.
أي رب أسئلك بنفسك العلي الأعلى ثم بظهورك كرة أخرى الذي به انقلب ملكوت الأسماء وجبروت الصفات وأخذ السكر سكان الأرضين والسموات والزلزال من في ملكوت الأمر والخلق إلا من صام عن كل ما يكرهه رضاك وأمسك نفسه عن التوجه إلى ما سواك بأن تجعلنا منهم وتكتب أسمائنا في لوح الذي كتبت أسمائهم وإنك يا إلهي ببدايع قدرتك وسلطنتك وعظمتك انشعبت أسمائهم من بحر اسمك وخلقت ذواتهم من جوهر حبك وكينوناتهم من ساذج أمرك وما تعقب وصلهم بظهورات الفصل والإنفصال وما قدر لقربهم بعد ولا لبقائهم زوال إنهم عباد لم يزل يحكون عنك ولا يزال يطوفون في حولك ويهرولون حول حرم لقائك وكعبة وصلك وما جعلت الفرق يا إلهي بينك وبينهم إلا بأنهم لما شهدوا أنوار وجهك توجهوا إليك وسجدوا لجمالك خاشعا خاضعا لعظمتك ومنقطعا عما سواك.
أي رب هذا يوم فيه صمنا بأمرك وإرادتك بما نزلته في محكم كتابك وأمسكنا النفس عن الهوى وعما يكرهه رضاك إلى أن انتهى اليوم وبلغ حين الإفطار إذا أسئلك يا محبوب قلوب العاشقين ويا حبيب أفئدة العارفين ويا وله صدور المشتاقين ويا مقصود القاصدين بأن تطيرنا في هواء قربك ولقائك وتقبل عنا ما عملنا في حبك ورضائك ثم اكتبنا من الذينهم أقروا بوحدانيتك واعترفوا بفردانيتك وخضعوا لعظمتك وكبريائك وعاذوا بحضرتك ولاذوا بجنابك وأنفقوا أرواحهم شوقا للقائك والحضور بين يديك ونبذوا الدنيا عن ورائهم لحبك وقطعوا النسبة من كل ذي نسبة متوجها إليك أولئك عباد الذين إذا يذكر لهم اسمك يذوب قلوبهم شغفا لجمالك وتفيض عيونهم طلبا لقربك ولقائك. أي رب هذا لساني يشهد بوحدانيتك وفردانيتك وهذه عيني ناظرة إلى شطر مواهبك وألطافك وهذه أذني مترصدة لإصغاء ندائك وكلمتك لأني أيقنت يا إلهي بأن الكلمة التي خرجت من فم مشيتك ما قدرت لها من نفاد وتسمعها في كل الأحيان آذان التي قدستها لاستماع كلماتك وإصغاء آياتك وإن هذه يا إلهي يدي قد ارتفعتها إلى سماء مكرمتك وألطافك أتطرد يا إلهي هذا الفقير الذي ما اتخذلنفسه محبوبا سواك ولا معطيا دونك ولا سلطانا غيرك ولا ظلا إلا في جوار رحمتك ولا مأمنا إلا لدى بابك الذي فتحته على وجه من في سمائك وأرضك لا فو عزتك أنا الذي أكون مطمئنا بفضلك ولو تعذبني بدوام ملكك ويسئلني أحد منك لتنطق أركاني كلها بأنه لهو المحبوب في فعله والمطاع في حكمه والرحمن في سجيته والرحيم على خلقه. فو عزتك يا محبوب قلوب المشتاقين لو تطردني عن بابك وتدعني تحت أسياف طغاة خلقك وعصاة بريتك ويسئلني أحد منك ينادي كل شعر كان في أعضائي بأنه هو محبوب العالمين وإنه لهو الفضال القديم وإنه قربني ولو أبعدني وأجارني ولو أطردني ولم أجد لنفسي راحما أرحم منه به استغنيت عن دونه واستعليت على ما سواه فطوبى يا إلهي لمن استغنى بك عن ملكوت ملك السموات والأرض والغني من تمسك بحبل غنائك وخضع لحضرتك واكتفى بك عمن سواك والفقير من استغنى عنك واستكبر عليك وأعرض عن حضرتك وكفر بآياتك فيا إلهي ومحبوبي فاجعلني من الذين تحركهم أرياح مشيتك كيف تشاء لا إله إلا أنت المقتدر العزيز الكريم فلك الحمد يا إلهي على ما وفقتني بالصيام في هذا الشهر الذي نسبته إلى اسمك الأعلى وسميته بالعلاء وأمرت بأن يصومون فيه عبادك وبريتك ويستقربن به إليك وبه انتهت الأيام والشهور كما ابتدئت أولها باسمك الأبهى ليشهدن كل بأنك أنت الأول والآخر والظاهر والباطن ويوقنن بأن ما حقق إعزاز الأسماء إلا بعز أمرك والكلمة التي فصلت بمشيتك وظهرت بإرادتك وجعلت يا إلهي هذا الشهر بينهم ذكرا من عندك وشوقا من لدنك وعلامة من حضرتك لئلا ينسون عظمتك واقتدارك وسلطنتك وإعزازك ويوقنن بأنك أنت الذي كنت حاكما في أزل الآزال وتكون حاكما كما كنت لا يمنعك عن حكومتك شيء عما خلق في السموات والأرض ولا عن إرادتك من في ملكوت الأمر والخلق. فيا إلهي أسئلك باسمك الذي به ناحت قبائل الأرض كلها إلا من عصمته بعصمتك الكبرى وحفظته في ظل رحمتك العظمى بأن تجعلنا مستقيما على أمرك وثابتا على حبك على شأن لو يعترض عليك عبادك ويعرض عنك بريتك بحيث لا يبقى على الأرض من يدعوك ويقبل إليك ويتوجه إلى حرم أنسك وكعبة قدسك لأقوم بنفسي وحده على نصرة أمرك وإعلاء كلمتك وإظهار سلطنتك وثناء نفسك ولو أني يا إلهي كلما أريد أن أسميك باسم أتحير في نفسي لأني أشاهد بأن كل صفة من صفاتك العليا وكل اسم من أسمائك الحسنى أنسبها إلى نفسك وأدعوك بها تلقاء وجهك هذا لم يكن إلا على قدر عرفاني لأني لما عرفتها ممدوحة نسبتها إليك وإلا تعالى تعالى شأنك من أن تذكر بدونك أو تعرف بسواك أو يرتقي إليك وصف خلقك وثناء عبادك وكل ما يظهر من العباد إنه محدود بحدودات أنفسهم ومخلوق من توهماتهم وظنونهم فآه آه يا محبوبي من عجزي عن ذكرك وتقصيري في أيامك لو أقول يا إلهي إنك أنت عليم أشاهد لو تشير بأصبع من أصابع مشيتك إلى صخرة صماء ليظهر منها علم ما كان وما يكون ولو أقول إنك أنت قدير أشاهد لو تخرج من فم إرادتك كلمة لتنقلب منها السموات والأرض فو عزتك يا محبوب العارفين كل عليم لو لا يقر عند علمك بالجهل إنه أجهل العباد وكل مقتدر لا يقر بعجزه لدى ظهورات قدرتك إنه لأعجز بريتك وأغفل خلقك مع علمي بذلك وإيقاني بهذا كيف أقدر أن أذكرك بذكر أو أصفك بوصف أو اثنيك بثناء إذا مع هذا العجز قد سرعت إلى ظل قدرتك وبهذا الفقر قد استظللت في ظل غنائك وبهذا الضعف قد قمت لدى سرادق قوتك وقدرتك أتطرد هذا الفقير بعد الذي ما اتخذ لنفسه معينا سواك. أتبعد هذا الغريب بعد الذي لن يجد لنفسه محبوبا دونك أي رب أنت تعلم ما في نفسي وأنا لا أعلم ما في نفسك الرحمن فارحمني برحمتك ثم ألهمني ما يسكن به قلبي في أيامك ويستريح به نفسي عند ظهورات وجهك أي رب قد استضاء كل الأشياء من بوارق أنوار طلعتك وقد استباح كل من في الأرض والسماء من ظهورات عز أحديتك بحيث لا أرى من شيء إلا وقد أشاهد فيه تجليك الذي مستور عن انظر النائمين من عبادك.
أي رب لا تحرمني بعد الذي أحاط فضلك كل الوجود من الغيب والشهود أتبعدني يا إلهي بعد الذي دعوت الكل إلى نفسك والتقرب إليك والتمسك بحبلك أتطردني يا محبوبي بعد الذي وعدت في محكم كتابك وبدايع آياتك بأن تجمع المشتاقين في سرادق عطوفتك والمريدين في ظل مواهبك والقاصدين في خيام فضلك وألطافك فو عزتك يا إلهي إن صريخي يمنع قلمي وحنين قلبي قد أخذ الزمام عن كفي كلما أسكن نفسي وأبشرها ببدايع رحمتك وشئونات عطوفتك وظهورات مكرمتك يضطربني ظهورات عدلك وشئونات قهرك وأشاهد بأنك أنت المذكور بهذين الإسمين والموصوف بهذين الوصفين ولا تبالي بأن تدعى باسمك الغفار أو باسمك القهار فو عزتك لو لا علمي بأن رحمتك سبقت كل شيء لتنعدم أركاني وتنفطر كينونتي وتضمحل حقيقتي ولكن لما أشاهد فضلك سبق كل شيء ورحمتك أحاطت كل الوجود تطمئن نفسي وكينونتي فآه آه يا إلهي عما فات مني في أيامك فآه آه يا مقصودي عما فات مني في خدمتك وطاعتك في هذه الأيام التي ما رأت شبهها عيون أصفيائك وأمنائك أي رب أسئلك بك وبمظهر أمرك الذي استقر على عرش رحمانيتك بأن توفقني على خدمتك ورضائك ثم أحفظني عن الذين أعرضوا عن نفسك وكفروا بآياتك وأنكروا حقك وجاحدوا برهانك ونبذوا عهدك وميثاقك كبر اللهم يا إلهي على مظهر هويتك ومطلع أحديتك ومعدن علمك ومهبط وحيك ومخزن إلهامك ومقر سلطنتك ومشرق ألوهيتك النقطة الأولى والطلعة الأعلى وأصل القديم ومحيي الأمم وعلى أول من آمن به وبآياته الذي جعلته عرشا لاستواء كلمتك العلياء ومحلا لظهور أسمائك الحسنى ومشرقا لإشراق شموس عنايتك ومطلعا لطلوع أسمائك وصفاتك ومخزنا للئالي علمك وأحكامك وعلى آخر من نزل إليه الذي كان وفوده عليه كوفوده عليك وظهوره فيه كظهورك فيه إلا أنه استضاء من أنوار وجهه وسجد لذاته وأقر لعبودية نفسه وعلى الذينهم استشهدوا في سبيله وفدوا أنفسهم حبا لجماله تشهد يا إلهي بأنهم عباد آمنوا بك وبآياتك وقصدوا حرم لقائك وأقبلوا إلى وجهك وتوجهوا إلى شطر قربك وسلكوا مناهج رضائك وعبدوك بما أنت أردته وانقطعوا عمن سواك أي رب فأنزل على أرواحهم وأجسادهم في كل حين من بدايع رحمتك الكبرى وإنك أنت المقتدر على ما تشاء لا إله إلا أنت العزيز المستعان أي رب أسئلك به وبهم وبالذي أقمته على مقام أمرك وجعلته قيوما على من في سمائك وأرضك بأن تطهرنا عن العصيان وتقدر لنا مقر صدق عندك وألحقنا بعبادك الذين ما منعتهم مكاره الدنيا وشدائدها عن التوجه إليك وإنك أنت المقتدر المتعالي المهيمن الغفور الرحيم والحمد لله رب العالمين.
كتاب تسبيح وتهليل، ص ٦٤ – ٧٦